mardi 25 août 2015

ممارسة التدريس: تجارب و قناعات أصبحت كمبادئ عامة

ممارسة التدريس:
تجارب و قناعات أصبحت كمبادئ عامة


ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ


بقلم الأستاذ :
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

توفيق بنعمرو


مقدمة
إن ممارسة التدريس هي عملية مركبة و معقدة و تحيط بها متغيرات كثيرة و متجددة، و تتطلب جهدا بدنيا و فكريا، و حضوراً ذهنياً و تركيزا كبيراً.
و قد تصبح التجربة المكتسبة عبر سنوات سنداً داعما في حرفية الممارسة و تحسين جودتها، أو تكريساً لرتابة تؤدي لتناقص في المردودية و الفعالية، مع تقدم السن و الضعف التدريجي الذي يصيب الحواس و الأجهزة البدنية الأخرى. كما أن حب المهنة و الاقتناع الداخلي برسالتها و أمانتها الكبيرة يساعد على اكتساب الصنعة: صنعة و فن التدريس و ممارسة التدريس.
أحاول في هذا الموضوع لملمة بعض التجارب الخاصة في القسم عايَشْتُها و جمعت حولها نظرة و مقاربة لهذه الممارسة، و قناعات أصبحت كمبادئ عامة تتحكم فيها. أتمنى أن تكون موفقة و مجدية و نافعة. و منها ما هو خاص بمادة الرياضيات و منها ما هو عام، و هي ليست توجيهات و لا إملاءات و لا تنظيرا لأحد، فمنها ما يؤخذ و ما يُترك و ما يُناقش و ما يُنتقد و ما يُعتمد و ما لا يُعتمد و الله الموفّق.



العدل
العدل في التعامل و في التنقيط و في الاهتمام و في الإشراك و المشاركة و في التشدد و المسامحة و هنا لا بد من الانتباه لحساسية الذكور بينهم و الإناث فيما بينهن و الذكور و الإناث فيما بينهما.
فالإحساس بالظلم أو بالدونية أو الفوقية عوامل هدم لكيان القسم و لنفسية التلاميذ جميعا و لا تخدم مصلحة الأول و لا الثاني. فالعدل و الفضل و المساواة أساس كبير في إنجاح ممارسة التدريس و دونها تصبح كل المجهودات عبثا و كل عمل الأستاذ في مهب الريح و كلماته لا وزن لها.



القدوة بالفعل
إن كل ممارس للتدريس هو صاحب رسالة تربيةٍ و أخلاق، كيفما كان نوع المادة التي يدرّسها. و لإيصال هذه الرسالة تكون تصرفاته و أفعاله أبلغ من كل خطاب و من كل نصيحة، و إن كانت منمّقة الأسلوب و عميقة المعنى.
فالقدوة بالفعل و العمل تؤثر في شخصية التلاميذ بشكل كبير، فالإخلاص في العمل و حُسن المعاملة و طَيِّبُ القول، و الاجتهاد في العمل، و الفعالية في التدريس، و الحزم المتوازن و احترام الوقت في الحصص، و احترام الوعود و الالتزام بها، أمور كثيرة ذات مفعول كبير في تعليم التلاميذ قيم عملية مشاهدَة و ليست أقوالا فقط.
و هذه الأمور تساعد في المادة المدرّسة كيفما كان نوعها و تجعل الإقبال عليها أكبر و الإنصات للمدرّس أكثر في طريقة شرحه و في توجيهاته المرتبطة بها و تصبح بعد ذلك النصائح مسموعة لمصداقية صاحبها في أفعاله.



متعة التدريس
تستتبع ممارسة التدريس عوائق و مشاكل و صعوبات و أحاسيس كثيرة مواكبة لها، من قلق و توتّر و غضب و حسرة و حزن و إحباط و نفور. لكنها أحاسيس وقتية ظرفية كردّ فعل مباشر لما يكابده الأستاذ في هذه الممارسة. لكن هناك متعة في التدريس و في ممارسة التدريس يجب استشرافها و تذوقها و البحث عنها، و هي مفتاح مواصلة المسيرة الطويلة في التدريس بأقل الخسائر الصحية و النفسية و العقلية و الجسدية.
* فنظرة احترام و تقدير ( و ليس خوف أو تخوّف )، من التلاميذ الحاليين و القدامى فيها متعة كبيرة و كبيرة.
* نظرة فهم للدرس أو الخاصية أو المثال من التلاميذ فيها متعة كبيرة و كبيرة.
* توصيل رسالة أخلاقية وخاصة بشكل غير مباشر ومعاينة نتائجها الإيجابية متعة ليس لها ثمن.
* بعث الأمل و روح العمل و المثابرة في المنكسرين من التلاميذ فيها متعة.
* حلّ عقدة الفهم و التتبع و ممارسة التعلّم عند التلاميذ و معاينة التحسن التدريجي في المستوى لديهم فيها متعة تحبيب المادة المدرّسة و جعل الإقبال عليها و الإهتمام بها أكبر، متعة كبيرة و ليس لها مثيل.
* متعة تدريس المادة لشغف المدرّس بها ولا يستشعرها إلا من كان مولعا بمادته كثيرا.
* النجاح في برنامج الحصة و راحة الضمير في نتيجتها و في العمل عموما متعة كبيرة، فمتعة راحة الضمير عند من هو حيّ عندهم لا تقدر بثمن.
* متعة استشعار دور الأمانة و الرسالة التي على عاتق معلّم الناس الخير، فالمهنة شريفة و غالية.


كسب الثقة
من العوامل التي تريح الأستاذ في عمله و تجعل تعليمه فعالا مجديا هو كسبه لثقة تلامذته فيه من جهة و تمكنه من الحصول على الأمان في قسمه.
فقاعدة أو خاصية أو منهجية أو نصيحة قد يسمعها التلاميذ من أحد فيقبلون عليها و ينتهجونها، و قد لا يعيرونها اهتماما من آخر و لو بنفس المضمون ولو بنفس طريقة العرض.
فجانب الثقة في شخصية الأستاذ و شخصه عامل محوري في نجاح ممارسة التدريس.
التفكير في أهمية كسب الثقة يتيح المجال للبحث عن طرق و وسائل الحصول عليها، و قد فصلنا في بعضها من قبل كالعدل و القدوة بالفعل و التحسيس بالكفاءة و المقدرة و الفعالية و التجربة و بعث جو من الأمن و الأمان في القسم.
أما حصول الأستاذ على الأمان في قسمه فمؤشره هو قدرته على إدارة ظهره للكتابة في السبورة دون تخوف من حصول أي عبث في القسم أو عند خروجه من القاعة أو عند محادثة أي تلميذ فلا يستقبل تشنجا كبيرا أو مواجهة غير محمودة و هذا نجاح كبير في عملية ممارسة التعليم يريحه طيلة السنة الدراسية بل يكفل له سمعة للأجيال اللاحقة.
و هذا الأمان يجب أن يكون بعيدا عن بعث جو الرعب و الخوف لديهم، فهذا أمان المتعجرفين المتكبرين الطاغين، بل هو توازن صعب بين التقدير و الاحترام و الإحساس بمقدرة الأستاذ على ضبط كل الأمور ومعالجتها و الحزم والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة العادلة.



صوت المدرّس
أداة تواصلية محورية و وسيلة لا غنى عنها في مجال التدريس و أكثر ما يستهلكه الأستاذ من جسمه و جسده، و يتعرّض هذا الصوت لعوامل التلوث الناتج عن غبار الجو و غبار الطبشور، و عوامل تغير درجات الحرارة بين داخل الحجرة الدراسية و خارجها
كما يتعرّض لاستعمال كثيف و إ**** كبير بعد كل حصة دراسية.
فعدد الكلمات بالآلاف في اليوم و طريقة الإلقاء الانفعالية و لو بصوت منخفض لها تأثير سلبي كبير عليه و لو على المدى الطويل. خاصة عند إسداء نصيحة أو إعادة شرح أو تبيين هفوات و أخطاء فادحة.
فهذا الكنز الذي جعله الله مفتاح عمل الأستاذ عليه أن ينتبه له و يحافظ عليه و يعمل على صيانته، فالمسيرة طويلة و طويلة، و شاقة و وعرة: الابتعاد عن الماء البارد و الساخن و السوائل المتضمّنة للحموضة و الانتباه عند نهاية الحصة فلا يعرّضه لتغير فجائي كبير في الحرارة.
كما أن الرفع من الصوت لا يفيد في التعليم إلا في حالات و وضعيات محدودة و لفترات قليلة، فتغيير نبرات الصوت و سرعة الإلقاء و استعمال تعابير الوجه وسائل مساعدة في ذلك. كما أن جملا طويلة ملقاة لوهلة واحدة تُفقِدُ التلميذ التركيز و الاستيعاب. فكلمات موزونة قليلة بإلقاء مساعد على التتبع ( أي بتدرج كمن يكتب على ورقة ) لها دور إيجابي في التركيز و الفهم.
و الانفعال العصبي أكثر ما يضر هذا الصوت فكلما تمكن المدرّس من التحكم فيه حافظ على صحته أكثر أما عدد ساعات التدريس اليومية الرسمية و غير الرسمية الصحية معروفة و لا يجب تعدّيها و إلا فالضرر آت لا محالة.




بعث الأمل
مفيد كثيرا خاصة في مادة الرياضيات، نصادف تلاميذ وَلَجُوا مستوى معيّن أو شعبة معيّنة ( خاصة شعبة العلوم الرياضية ) ثم يجدون أنفسهم عاجزين عن مسايرة الحصص الدراسية و المقرّر أو مسايرة مستوى باقي التلاميذ أو اليأس من الحصول على المعدل الكافي للنجاح. فيمضون فترات من الشرود و الذهول، و فترات من التشنج و العصبية، و فترات من محاولة إثارة البلبلة، و فترات من السلبية في كل شيء، من الدراسة و مجرياتها بل حتى من جوانب من الحياة في الحالات الصعبة و قد ينقلبون إلى منقطعين عن الدراسة أو مشاغبين ضمنها أو مستسلمين وجودهم كعدمه؛كل ذلك ينتج عنه فقدان الأمل.
أمام هذه الوضعيات التي قد يصادفها المدرّس في كل سنة دراسية و يجدها واضحة ماثلة أمامه ( إن انتبه لأعراضها ) أن يجد حلا لها و إلا ستؤثِّر على عمله و فعاليته و على باقي التلاميذ الآخرين و على مستوى القسم عموما و هنا يكون لبعث الأمل دور محوري في إنقاذ نسبة مهمة منهم.
* و يكون أولا بالبحث عن مكامن هذا اليأس و عدم القدرة على المسايرة إن استطاع له سبيلا و كان المحاوَر قابلا للحوار، و يكون كذلك في طريقة طرح الفروض المحروسة بحيث يتسع مجال التنقيط و طريقة طرح الأسئلة ليشمل هذه العيّنة فتحصل على بعض النقط و لا يكون الصفر و ما جاوره حليفها دائما.
* و يكون بالإشراك في الحصة الدراسية و إدخالها في مجال الدرس و إنجاز التمارين على السبورة.
* و يكون بالكلمة الطيبة المنفتحة و الابتعاد عن الكلام الجارح المحقّر للكرامة الإنسانية و المنفّر من الدرس و صاحبه و المادة المدرّسة.
* و يكون باحتساب نقط إضافية عند إنجازات جيدة في الحصة الدراسية و لو خارج نطاق الفروض المحروسة.
* و يكون بتنظيم فروض خاصة بمن لم يحصل على المعدل تكون أسئلتها مباشرة و غير مركبة و تعطي الفرصة لتدارك هذا النقص ( وقد جربت ذلك وكان مجديا و أعطى نتائج طيبة).
* و يكون بطول البال و رحابة الصدر في شرح المبهم من الأمور و إعادة الشرح خاصة الأسئلة المتعلقة بتعثرات من السنوات الماضية و تشجيع التلاميذ على طرح الأسئلة عموما.
* كتابة ملاحظات مشجعة و محفزة و باعثة للأمل على أوراق الفروض المنزلية أو على الدفاتر أو بشكل شفهي و هي أمور قد يخالها البعض لا قيمة و لا تأثير لها لكنّ من جرّبها يعلم مقدار تأثيرها و قيمتها الكبيرة لهذا الصنف من التلاميذ.
* التيسير في الشرح و اختيار الأمثلة فجملة ” هذا الدرس سهل يتطلب فقط أن …… ” عند بداية التمهيد له هي باعثة للأمل و محفزة للتتبع رغم أنها جملة بسيطة و لا تكلّف المدرس شيئا.
و لن يكون هذا الأمل خداعا أو تغطية عن المستوى الحقيقي للتلميذ بل هو وسيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و استخراج أحسن ما لديه و مسايرة المقرر الدراسي على الأقل في كلياته الأساسية، و كم كانت كلمات شفهية فيها تشجيع و بعث للثقة حافزا لتفجر طاقات كامنة لم يكن حتى صاحبها يتصور وجودها لديه، فبعث الأمل كفكرة بارزة أمام مُمارِس التدريس تجعله يبحث في أمور كثيرة أخرى مجدية من غير ما ذكرناه حسب ما يُقابله من أحوال و وضعيات التلاميذ و الله الموفّق.


ضبط القسم
يتأتى بشخصية المدرّس و أدوات مساعدة على ذلك:
* العدل و قد فصلنا فيه من قبل.
* عدم الإكثار من الضحك و اللغو أو العبوس و تقطيب الجبين و محاولة تجنب الأحاديث الجانبية، و الكلمات الغير مألوفة و المفردات الغريبة أو الساقطة.
*التعرف على أسماء التلاميذ الشخصية و مناداتهم بها دون الرجوع للوائح و هي تقنية مفيدة و تتأتى في الأسابيع الأولى من السنة الدراسية كما أن التعرف على الغائبين دون اللجوء إلى المناداة على الجميع تعطي انطباعاً جيداً للتلاميذ.
*الحفاظ على الهدوء و إظهار القدرة على التحكم في الأعصاب و في كل الحوادث الغير متوقعة رغم إمكانية عدم الإحاطة بجميع جوانبها.
* التحكم في المادة المدرسة و الكفاءة في تدريسها، و يمكن تغطية أي نقص في جوانب ذلك بالإعداد القبلي الجيد أو استشارة بعض الأساتذة الآخرين و الاستعانة بتجربتهم. كما أن إعادة الشرح بطرق مختلفة و عدم التغاضي عن اعتراضات التلاميذ و فهم معيقات فهمهم يؤدي إلى تحسين الجودة و الكفاءة و الفعالية.
*الاستفادة من التجربة الشخصية الإيجابية و السلبية و تمثل وقائع سابقة لمحاكاة الطريقة الناجعة لمعالجتها.
* مجاراة التطور و التحول اللغوي لدى التلاميذ ( فلغة التلاميذ عالم في حد ذاته و سنفصل فيه إن شاء الله فيما بعد ) و طريقة التواصل البيني التي تتغير من جيل لآخر و كذا الإحاطة و لو بشكل عام بالتطورات التقنية المستجدة.
* إنجاح الحصة الدراسية و لو حصلت فيها مشاكل أو معيقات.
* إنجاح عملية حراسة الفرض المحروس و سنفصل في ذلك إن شاء الله فهو مِفْصَل في مصداقية التدريس.
* اعتماد طريقة ذاتية تناسب الممارس للتدريس، فليست هناك وصفة للجميع و إنما لكل ذاتيته و بصمته الخاصة و ما يناسبه للحصول على التوازن الإيجابي المنشود في القسم حسب طبيعته و شخصيته و تكوينه و مادة تدريسه و طريقة تواصله و طبعه الشخصي.



معالجة الأخطاء و الأغلاط
تكتنف عملية ممارسة التدريس أخطاء متنوعة و مختلفة لأنها ممارسة إنسانية غير معصومة. هناك أخطاء تفاجئ الأستاذ أثناء الحصة تكون مثلا لغوية أو حسابية أو منهجية أو حتى في صميم الدرس و تراتبيته و هيكلته و قد يكتشفها قبل التلاميذ أو يخبروه هم بها كما أن هناك أخطاء يكتشفها أو يكتشف أثرها بعد الحصة.
كل هذا يجب أن يتوقع حدوثه الممارس المحترف للتدريس و أن يعتبره حادثا عليه معالجته بشكل سليم و أن يستفيد منه فيما بعد و عليه الاعتراف به و معالجته بشكل واضح دون حرج و لا ضيق و لا شعور بأي مركّب نقص، و لا يعتبره انتقاصا من مكانته بل يقوم بتصحيحه و لو في حصة موالية، ففي ذلك تكون مصداقيته على المحكّ. فالهروب منه أو التهرب منه أو مداراته أو التوتر نحوه أمورٌ يفهمها التلاميذ جيدا، و لا تخفى عليهم، و عنها يبحثون. بينما التعاطي بمصداقية و وضوح و صراحة يعطي لكلمة الأستاذ مصداقية كبيرة؛
و هنا يحضرني ما قامت به إحدى شركات السيارات العالمية بالاعتراف بأعطاب موجودة في أحد أجزاء نوع من السيارات و قامت بسحبها من الأسواق رغم أن ذلك سيجر عليها خسائر ظرفية لكن مصداقية الشركة و ثقة الزبناء بها ازدادت بل حتى المبيعات على المدى المتوسط زادت.
كما أن الصدق أمانة على عاتق الممارس عليه أن يستحضرها و يعتبر إخفاء الخطأ و التعمية عليه انتقاصا من هذه الأمانة و عدم القيام بها كما يجب. أما أخطاء التعامل بين الطرفين فسنفصل فيها فيما بعد إن شاء الله.كذلك أخطاء التعلم ففيها يطول الكلام و سنخصص لها مقالا و مقاما خاصا إن شاء الله.



صحة الأستاذ
تحدثنا في مقال سابق عن صوت الأستاذ كأداة تستهلك من صحته، لكن على مدى المسار المهني هناك أجهزة كثيرة أخرى من جسم الممارس للتدريس تستهلك و تستنفذ بالتدريج، و ربما دون إدراك مناسب منه.
فحواس كالبصر و السمع و الشم تأخذ طريقها للضعف التدريجي و الاستعمال المفرط، كما أن أمراضا أخرى معروفة لدى أسرة التعليم مرتبطة بالوقوف الطويل أو الجلوس الطويل.

أما الجهاز العصبي فهو تحت ضغط التوتر و القلق و الحزن و الحسرة و الحيرة و الفرح و الاندفاع و التخوف و الإرهاق و غيرها من العوامل اليومية التي يقع تحت طائلتها الممارس الحيّ للتدريس.
إن ممارسة التدريس تأخذ عقودا من عمر صاحبها و قد يدخلها في زهرة شبابه و صحته لا يأبه لشيء و قد لا ينتبه لما أوضحناه أعلاه. و هناك وصية مألوفة تقول: ” وفّر شيئا من الجهد و الصحة لتلاميذ الأربعين و تلاميذ الخمسين و تلاميذ الستين و الباقي للتقاعد “.
فالمسيرة طويلة و استحضار ما ذكرناه سابقا مهم للتعامل مع الصحة و الجسد بقصد و اتزان و حكمة، دون الاندفاع الحماسي المتهور و دون التقاعس عن أداة أمانة المهنة و تكاليفها و الله الموفّق.


بين الاهتمام و اللامبالاة
يعلق بذهن الممارس للتدريس عموما صنفان من التلاميذ: المشاغب و المتفوّق، و لا يبقى للخجول أو الكسول أو ما شابههما أثر بعد مضيّ السنوات إلا فيما ندر أو لوجود علّة أخرى تبقيه في الذاكرة حاضرا. و هنا أثناء الممارسة للتدريس يعطي اهتماما لهذين الصنفين بل قد يأخذان منه وقتا كبيرا دون الانتباه للإهمال الذي يطال الأصناف الأخرى من التلاميذ و هذا غالبا يقع دون قصد.
و قد يولّد هذا التصرف عُقَدا كثيرة لبعض هؤلاء التلاميذ، كما أن كثرة الاهتمام تولّد إحساسا غير متوازن عند الآخرين و قد يشعر بعضهم بالاحتقار و الدونية و التهميش و الآخرون بالتعالي و التكبر، و هما خصلتان ذميمتان في مسيرة التعلم.
لقد علّمتنا السيرة النبوية أن طريقة تعامل النبي صلى الله عليه و سلم مع أصحابه كانت تجعل كل واحد منهم يظن أنه أعز عند النبي صلى الله عليه و سلم من الآخرين، و هذه حكمة نبوية غالية علينا التأسّي بها و محاولة مقاربتها.
فالتوازن في التعامل و التعاطي مع التلاميذ في الشرح و الاهتمام و إسداء النصيحة و الإشراك في الحصة و مراجعة المُنجَز من التمارين يعطي للجميع انطباعا بالإنتماء للقسم و للمادة و لو كان المستوى ضعيف أو هيأة التلميذ لا تشجع على ذلك و هذه طريقة المحترف للمهنة القادر على التجرد و التحرر من الدوافع الداخلية التي تنحاز لطرف دون الآخر دون قصد سيّئ أو دون شعور بها.
قد تمر سنوات من التدريس و لا يتمّ الانتباه لهذه النقطة رغم الجهد المبذول و العطاء الغزير في العمل لكنّ هناك من لا يستطيع البوح أو الحديث عما يشعر به و ربما عوامل السن و المراهقة و التغير المتسارع يجعل تأويل تلك الامور يأخذ أبعادا متشعبة معقدة صعبة الحل.


أذى المسار
قد يتعرّض الممارس للتدريس على مدى مساره المهني لأذى متنوع و من أطراف متعدّدة:
* فهناك الأذى المرتبط بالجحود و نكران المعروف الذي قد يصادفه من بعض أنواع التلاميذ بعد مرور سنوات أو حتى في السنة الدراسية، و كذا من بعض أولياء الأمور.
* و هناك الأذى الذي يطال أسرة التعليم كلها عبر الحملات الإعلامية التي تشنّ كلّ حين و حين، و التي تصبّ في النيل من شرف المهنة و المنتسبين لها. و هناك الأذى المترتّب عن بعض قرارات و تدابير المتحكّمين في التعليم و التي تسيئ إلى المنظومة التربوية.
* و هناك الأذى القريب من زملاء المادة أو المؤسسة أو إدارييها و هو أشد لأنه من الأقربين.
* و هناك أذى الظلم المترتب عن هضم الحقوق أو التماطل فيها، من ترقية أو انتقال أو تقاعد أو توزيع حصص أو غيرها. كما لا ننسى أذى المكانة الاجتماعية التي تتآكل كل حين بسبب كلّ فشل يزداد في حصيلة التعليم.
كل هذه الأمور ممكنة، و قد تجتمع كلها عند الكثيرين، و هي تتطلب صبراً و تصبراً كبيرين و طاقة تحمل كبرى خاصة عند الممارس الحيّ للمهنة حتى لا يتأثر عطاؤه و لا فعاليته بها، فالإنسان ضعيف و قدرة التجرد محدودة، لكنّ توقّعها يعطي وقايةً أفضل و استعداداً أكبر للتحمل، كما أنّ إخلاص العمل لله تعالى يعطي راحة إيمانية شاملة تداوي كل الجراح الناتجة عن أنواع الأذى التي ذكرناها أو التي أغفلناها.
فهناك من يعتبر أن الممارس المحترف هو الذي يستوي عنده الذمّ و المدح و لا يؤثران فيه إلا بقدر استجلاء الأخطاء و الاستفادة من المزايا.
إن ممارسة التدريس على بصيرة من هذه التفاصيل يسهّل العملية و إلا فإن المزاج سيتعكر مرّات و مرّات، و تساؤلات محورية ستطرح عند كل أذى: لماذا أنا هنا ؟ لماذا أمارس هذه المهنة ؟ كيف أبذل كل هذا المجهود و ألاقي هذا الأذى أو هذا الجحود أو …؟
فالتحصين ضد هذه الخواطر مفيد للصحة الجسمية و للتوازن النفسي و الوجداني و لبناء علاقة سليمة مع المحيط القريب و البعيد.






ممارسة التدريس: تجارب و قناعات أصبحت كمبادئ عامة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire